فصل: فصل التّسْلِيمُ وَبَيَانُ أَنّهُ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ التّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.الِالْتِفَاتُ فِي الصّلَاةِ:

وَالْمَقْصُودُ أَنّهُ كَانَ يَفْعَلُ فِي الصّلَاةِ شَيْئًا أَحْيَانًا لِعَارِضٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ الرّاتِبِ وَمِنْ هَذَا لَمّا بَعَثَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَارِسًا طَلِيعَةً ثُمّ قَامَ إلَى الصّلَاةِ وَجَعَلَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الِالْتِفَاتُ فِي الصّلَاةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصّلَاةِ؟ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ وَفِي التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا بُنَيّ إيّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصّلَاةِ فَإِنّ الِالْتِفَاتَ فِي الصّلَاةِ هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ وَلَابُدّ فَفِي التّطَوّعِ لَا فِي الْفَرْضِ وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ عِلّتَانِ إحْدَاهُمَا: إنّ رِوَايَةَ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ لَا تُعْرَفُ.
الثّانِيةُ إنّ فِي طَرِيقِهِ عَلِيّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا صَلَاةَ لِلْمُلْتَفِتِ فَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَلْحَظُ قَالَ التّرْمِذِيّ فِيهِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَلَمْ يَزِدْ. وَقَالَ الْخَلّالُ أَخْبَرَنِي الْمَيْمُونِيّ أَنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ قِيلَ لَهُ إنّ بَعْضَ النّاسِ أَسْنَدَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُلَاحِظُ فِي الصّلَاةِ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إنْكَارًا شَدِيدًا حَتّى تَغَيّرَ وَجْهُهُ وَتَغَيّرَ لَوْنُهُ وَتَحَرّكَ بَدَنُهُ وَرَأَيْتُهُ فِي حَالٍ مَا رَأَيْتُهُ فِي حَالٍ قَطّ أَسْوَأَ مِنْهَا وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُلَاحِظُ فِي الصّلَاةِ؟ يَعْنِي أَنّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَأَحْسَبُهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ وَقَالَ مَنْ رَوَى هَذَا؟ إنّمَا هَذَا مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ثُمّ قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ وَهّنَ حَدِيثَ سَعِيدٍ هَذَا وَضَعّفَ إسْنَادَهُ وَقَالَ إنّمَا هُوَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعِيدٍ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدّثْت أَبِي بِحَدِيثِ حَسّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكُوفِيّ قَالَ سَمِعْت الْعَلَاءَ قَالَ سَمِعْت مَكْحُولًا يُحَدّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا قَامَ إلَى الصّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَرَمَى بِبَصَرِهِ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَأَنْكَرَهُ جِدّا وَقَالَ اضْرِبْ عَلَيْهِ. فَأَحْمَدُ رَحِمَهُ اللّهُ أَنْكَرَ هَذَا وَهَذَا وَكَانَ إنْكَارُهُ لِلْأَوّلِ أَشَدّ لِأَنّهُ بَاطِلٌ سَنَدًا وَمَتْنًا.
وَالثّانِي إنّمَا أُنْكِرَ سَنَدُهُ وَإِلّا فَمَتْنُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ ثَبَتَ الْأَوّلُ لَكَانَ حِكَايَةَ فِعْلٍ فَعَلَهُ لَعَلّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلّقُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَذُو الْيَدَيْنِ فِي الصّلَاةِ لِمَصْلَحَتِهَا أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَدِيثِ الّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السّلُولِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيّةِ قَالَ ثُوّبَ بِالصّلَاةِ يَعْنِي صَلَاةَ الصّبْحِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشّعْبِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشّعْبِ مِنْ اللّيْلِ يَحْرُسُ فَهَذَا الِالْتِفَاتُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْجِهَادِ فِي الصّلَاةِ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي مَدَاخِلِ الْعِبَادَاتِ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ إنّي لَأُجَهّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصّلَاةِ. فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْجِهَادِ وَالصّلَاةِ. وَنَظِيرُهُ التّفَكّرُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَاسْتِخْرَاجُ كُنُوزِ الْعِلْمِ مِنْهُ فِي الصّلَاةِ فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الصّلَاةِ وَالْعِلْمِ فَهَذَا لَوْنُ وَالْتِفَاتُ الْغَافِلِينَ اللّاهِينَ وَأَفْكَارُهُمْ لَوْنٌ آخَرُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.إطَالَةُ الرّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ:

فَهَدْيُهُ الرّاتِبُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إطَالَةُ الرّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الرّبَاعِيّةِ عَلَى الْأُخْرَيَيْنِ وَإِطَالَةُ الْأُولَى مِنْ الْأُولَيَيْنِ عَلَى الثّانِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ سَعْدٌ لِعُمَرَ أَمّا أَنَا فَأُطِيلُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ.

.إطَالَةُ الْفَجْرِ عَلَى سَائِرِ الصّلَوَاتِ وَكَذَا قَوْلُ الصّلَاةِ عَلَى آخِرِهَا:

.إشَارَةٌ إلَى الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ:

وَكَذَلِكَ كَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إطَالَةَ صَلَاةِ الْفَجْرِ عَلَى سَائِرِ الصّلَوَاتِ كَمَا تَقَدّمَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: فَرَضَ اللّهُ الصّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ إلّا الْفَجْرَ فَإِنّهَا أُقِرّتْ عَلَى حَالِهَا مِنْ أَجْلِ طُولِ الْقِرَاءَةِ وَالْمَغْرِبَ لِأَنّهَا وِتْرُ النّهَارِ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي صَحِيحِهِ صَحِيحِ الْبُخَارِيّ. وَهَذَا كَانَ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَائِرِ صَلَاتِهِ إطَالَةَ أَوّلِهَا عَلَى آخِرِهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكُسُوفِ وَفِي قِيَامِ اللّيْلِ لَمّا صَلّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمّ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمّ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللّتَيْنِ قَبْلَهُمَا حَتّى أَتَمّ صَلَاتَهُ. وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا افْتِتَاحَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلَاةَ اللّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَمْرَهُ بِذَلِكَ لِأَنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ مِفْتَاحُ قِيَامِ اللّيْلِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ سُنّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ الرّكْعَتَانِ اللّتَانِ كَانَ يُصَلّيهِمَا أَحْيَانًا بَعْدَ وِتْرِهِ تَارَةً جَالِسًا وَتَارَةً قَائِمًا مَعَ قَوْلِهِ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللّيْلِ وِتْرًا فَإِنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ لَا تُنَافِيَانِ هَذَا الْأَمْرَ كَمَا أَنّ الْمَغْرِبَ وِتْرٌ لِلنّهَارِ وَصَلَاةُ السّنّةِ شَفْعًا بَعْدَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا وِتْرًا لِلنّهَارِ وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ لَمّا كَانَ عِبَادَةً مُسْتَقِلّةً وَهُوَ وِتْرُ اللّيْلِ كَانَتْ الرّكْعَتَانِ بَعْدَهُ جَارِيَتَيْنِ مَجْرَى سُنّةِ الْمَغْرِبِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَلَمّا كَانَ الْمَغْرِبُ فَرْضًا كَانَتْ مُحَافَظَتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى سُنّتِهَا أَكْثَرَ مِنْ مُحَافَظَتِهِ عَلَى سُنّةِ الْوِتْرِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ ظَاهِرٌ جِدّا وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِي هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى وَهِيَ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ لَعَلّك لَا تَرَاهَا فِي مُصَنّفٍ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فصل الْجُلُوسُ لِلتّشَهّدِ الْأَخِيرِ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَلَسَ فِي التّشَهّدِ الْأَخِيرِ جَلَسَ مُتَوَرّكًا وَكَانَ يُفْضِي بِوَرِكِهِ إلَى الْأَرْضِ وَيُخْرِجُ قَدَمَهُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ. فَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ الثّلَاثَةِ الّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي التّوَرّكِ. ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ لَهِيعَةَ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ هَذِهِ الصّفَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُهُ. الْوَجْهُ الثّانِي: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَيْضًا قَالَ وَإِذَا جَلَسَ فِي الرّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِه فَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ الْأَوّلُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْوَرِكِ وَفِيهِ زِيَادَةُ وَصْفٍ فِي هَيْئَةِ الْقَدَمَيْنِ لَمْ تَتَعَرّضْ الرّوَايَةُ الْأُولَى لَهَا. الْوَجْهُ الثّالِثُ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ: أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَيَفْرِشُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَهَذِهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلصّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي إخْرَاجِ الْيُسْرَى مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ وَفِي نَصْبِ الْيُمْنَى وَلَعَلّهُ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَهَذَا أَظْهَرُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ اخْتِلَافِ الرّوَاةِ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ هَذَا التّوَرّكُ إلّا فِي التّشَهّدِ الّذِي يَلِيه السّلَامُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ هَذَا مَخْصُوصٌ بِالصّلَاةِ الّتِي فِيهَا تَشَهّدَانِ وَهَذَا التّوَرّكُ فِيهَا جُعِلَ فَرْقًا بَيْنَ الْجُلُوسِ فِي التّشَهّدِ الْأَوّلِ الّذِي يُسَنّ تَخْفِيفُهُ فَيَكُونُ الْجَالِسُ فِيهِ مُتَهَيّئًا لِلْقِيَامِ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ فِي التّشَهّدِ الثّانِي الّذِي يَكُونُ الْجَالِسُ فِيهِ مُطْمَئِنّا. وَأَيْضًا فَتَكُونُ هَيْئَةُ الْجُلُوسَيْنِ فَارِقَةً بَيْنَ التّشَهّدَيْنِ مُذَكّرَةً لِلْمُصَلّي حَالَهُ فِيهِمَا. وَأَيْضًا فَإِنّ أَبَا حُمَيْدٍ إنّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الصّفَةَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْجَلْسَةِ الّتِي فِي التّشَهّدِ الثّانِي فَإِنّهُ ذَكَرَ صِفَةَ جُلُوسِهِ فِي التّشَهّدِ الْأَوّلِ وَأَنّهُ كَانَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا ثُمّ قَالَ وَإِذَا جَلَسَ فِي الرّكْعَةِ الْآخِرَةِ وَفِي لَفْظٍ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرّكْعَةِ الرّابِعَةِ وَأَمّا قَوْلُهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ حَتّى إذَا كَانَتْ الْجِلْسَةُ الّتِي فِيهَا التّسْلِيمُ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى شِقّهِ مُتَوَرّكًا فَهَذَا قَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَرَى التّوَرّكَ يُشْرَعُ فِي كُلّ تَشَهّدٍ يَلِيه السّلَامُ فَيَتَوَرّكُ فِي الثّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الدّلَالَةِ بَلْ سِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلّ عَلَى أَنّ ذَلِكَ إنّمَا كَانَ فِي التّشَهّدِ الّذِي يَلِيه السّلَامُ مِنْ الرّبَاعِيّةِ وَالثّلَاثِيّةِ فَإِنّهُ ذَكَرَ صِفَةَ جُلُوسِهِ فِي التّشَهّدِ الْأَوّلِ وَقِيَامَهُ مِنْهُ ثُمّ قَالَ حَتّى إذَا كَانَتْ السّجْدَةُ الّتِي فِيهَا التّسْلِيمُ جَلَسَ مُتَوَرّكًا فَهَذَا السّيَاقُ ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْجُلُوسِ بِالتّشَهّدِ الثّانِي.

.فصل وَضْعُ الْيَدِ فِي التّشَهّدِ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَلَسَ فِي التّشَهّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَضَمّ أَصَابِعَهُ الثّلَاثَ وَنَصَبَ السّبّابَةَ. وَفِي لَفْظٍ وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ الثّلَاثَ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: جَعَلَ حَدّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ثُمّ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلّقَ حَلْقَةً ثُمّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْته يُحَرّكُهَا يَدْعُو بِهَا وَهُوَ فِي السّنَنِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَهَذِهِ الرّوَايَاتُ كُلّهَا وَاحِدَةٌ فَإِنّ مَنْ قَالَ قَبَضَ أَصَابِعَهُ الثّلَاثَ أَرَادَ بِهِ أَنّ الْوُسْطَى كَانَتْ مَضْمُومَةً لَمْ تَكُنْ مَنْشُورَةً كَالسّبّابَةِ وَمَنْ قَالَ قَبَضَ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ أَرَادَ أَنّ الْوُسْطَى لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصِرِ بَلْ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْقَبْضِ دُونَ الْوُسْطَى وَقَدْ صَرّحَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ هَذَا إذْ عَقْدُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ لَا يُلَائِمُ وَاحِدَةً مِنْ الصّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَإِنّ الْخِنْصَرَ لَابُدّ أَنْ تُرَكّبَ الْبِنْصِرَ فِي هَذَا الْعَقْدِ. وَقَدْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنّ الثّلَاثَةَ لَهَا صِفَتَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ قَدِيمَةٌ وَهِيَ الّتِي ذُكِرَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَكُونُ فِيهَا الْأَصَابِعُ الثّلَاثُ مَضْمُومَةً مَعَ تَحْلِيقِ الْإِبْهَامِ مَعَ الْوُسْطَى وَحَدِيثَةٌ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْيَوْمَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِسَابِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ يَبْسُطُ ذِرَاعَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَلَا يُجَافِيهَا فَيَكُونُ حَدّ مِرْفَقِهِ عِنْدَ آخِرِ فَخِذِهِ وَأَمّا الْيُسْرَى فَمَمْدُودَةُ الْأَصَابِعِ عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى.

.مَوَاضِعُ اسْتِقْبَالِ أَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ:

وَكَانَ يَسْتَقْبِلُ بِأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ فِي رَفْعِ يَدَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَفِي سُجُودِهِ وَفِي تَشَهّدِهِ وَيَسْتَقْبِلُ أَيْضًا بِأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فِي سُجُودِهِ. وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلّ رَكْعَتَيْنِ التّحِيّاتِ.

.مَوَاضِعُ الدّعَاءِ فِي الصّلَاةِ:

وَأَمّا الْمَوَاضِعُ الّتِي كَانَ يَدْعُو فِيهَا فِي الصّلَاةِ فَسَبْعَةُ مَوَاطِنَ أَحَدُهَا: بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي مَحَلّ الِاسْتِفْتَاحِ.
الثّانِي: قَبْلَ الرّكُوعِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ وَالْقُنُوتِ الْعَارِضِ فِي الصّبْحِ قَبْلَ الرّكُوعِ إنْ صَحّ ذَلِكَ فَإِنّ فِيهِ نَظَرًا.
الثّالِثُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ مِنْ الرّكُوعِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرّكُوعِ قَالَ سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ اللّهُمّ طَهّرْنِي بِالثّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ اللّهُمّ طَهّرْنِي مِنْ الذّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقّى الثّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْوَسَخِ الرّابِعُ فِي رُكُوعِهِ كَانَ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللّهُمّ رَبّنَا وَبِحَمْدِك اللّهُمّ اغْفِرْ لِي الْخَامِسُ فِي سُجُودِهِ وَكَانَ فِيهِ غَالِبُ دُعَائِهِ.
السّادِسُ بَيْنَ السّجْدَتَيْنِ.
السّابِعُ بَعْدَ التّشَهّدِ وَقَبْلَ السّلَامِ وَبِذَلِكَ أَمَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةََحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَمَرَ أَيْضًا بِالدّعَاءِ فِي السّجُودِ.

.رَأْيُ الْمُصَنّفِ فِي الدّعَاءِ بَعْدَ الصّلَاةِ:

وَأَمّا الدّعَاءُ بَعْدَ السّلَامِ مِنْ الصّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوْ الْمَأْمُومِينَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْلًا وَلَا رُوِيَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ. وَأَمّا تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِصَلَاتَيْ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَلَا أَرْشَدَ إلَيْهِ أُمّتَهُ وَإِنّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ رَآهُ مَنْ رَآهُ عِوَضًا مِنْ السّنّةِ بَعْدَهُمَا وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَعَامّةُ الْأَدْعِيَةِ الْمُتَعَلّقَةِ بِالصّلَاةِ إنّمَا فَعَلَهَا فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا اللّائِقُ بِحَالِ الْمُصَلّي فَإِنّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبّهِ يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصّلَاةِ فَإِذَا سَلّمَ مِنْهَا انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُنَاجَاةُ وَزَالَ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ سُؤَالَهُ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ ثُمّ يَسْأَلُهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْهُ؟ وَلَا رَيْبَ أَنّ عَكْسَ هَذَا الْحَالِ هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُصَلّي إلّا أَنّ هَاهُنَا نُكْتَةً لَطِيفَةً وَهُوَ أَنّ الْمُصَلّيَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَذَكَرَ اللّهَ وَهَلّلَهُ وَسَبّحَهُ وَحَمِدَهُ وَكَبّرَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ عَقِيبَ الصّلَاةِ اُسْتُحِبّ لَهُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ وَيَكُونُ دُعَاؤُهُ عَقِيبَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الثّانِيَةِ لَا لِكَوْنِهِ دُبُرَ الصّلَاةِ فَإِنّ كُلّ مَنْ ذَكَرَ اللّهَ وَحَمِدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلّى عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُسْتُحِبّ لَهُ الدّعَاءُ عَقِيبَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إذَا صَلّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللّهِ وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمّ لِيُصَلّ عَلَى النَبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

.فصل التّسْلِيمُ وَبَيَانُ أَنّهُ لَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ التّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ:

ثُمّ كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسَلّمُ عَنْ يَمِينِهِ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ. هَذَا كَانَ فِعْلَهُ الرّاتِبَ رَوَاهُ عَنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيّا وَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السّاعِدِيّ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ وَطَلْقُ بْنُ عَلِيّ وَأَوْسُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو رِمْثَةَ وَعَدِيّ بْنُ عَمِيرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّه عَنْهَا أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَة السّلَامُ عَلَيْكُمْ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ حَتّى يُوقِظَنَا وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ وَهُوَ فِي السّنَنِ لَكِنّهُ كَانَ فِي قِيَامِ اللّيْلِ وَاَلّذِينَ رَوَوْا عَنْهُ التّسْلِيمَتَيْنِ رَوَوْا مَا شَاهَدُوهُ فِي الْفَرْضِ وَالنّفْلِ عَلَى أَنّ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ أَخْبَرَتْ أَنّهُ كَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يُوقِظُهُمْ بِهَا وَلَمْ تَنْفِ الْأُخْرَى بَلْ سَكَتَتْ عَنْهَا وَلَيْسَ سُكُوتُهَا عَنْهَا مُقَدّمًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ حَفِظَهَا وَضَبَطَهَا وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَحَادِيثُهُمْ أَصَحّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ صَحِيحٌ وَالْبَاقِي حِسَانٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ: رُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ كَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إلّا أَنّهَا مَعْلُولَةٌ وَلَا يُصَحّحُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ثُمّ ذَكَرَ عِلّةَ حَدِيثِ سَعْدٍ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُسَلّمُ فِي الصّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. قَالَ وَهَذَا وَهْمٌ وَغَلَطٌ وَإِنّمَا الْحَدِيثُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسَلّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ ثُمّ سَاقَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسَلّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتّى كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى صَفْحَةِ خَدّه فَقَالَ الزّهْرِيّ: مَا سَمِعْنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمّدٍ: أَكُلّ حَدِيثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ لَا قَالَ فَنِصْفَهُ؟ قَالَ لَا قَالَ فَاجْعَلْ هَذَا مِنْ النّصْفِ الّذِي لَمْ تَسْمَعْ. قَالَ وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَرْفَعْهُ أَحَدٌ إلّا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمّدٍ وَحْدَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَوَاهُ عَنْهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمّدٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُحْتَجّ بِهِ وَذُكِرَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ هَذَا الْحَدِيثُ فَقَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَزُهَيْرٍ ضَعِيفَانِ لَا حُجّةَ فِيهِمَا قَالَ وَأَمّا أَنَسٍ فَلَمْ يَأْتِ إلّا مِنْ طَرِيقِ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ يَسْمَعْ أَيّوبُ مِنْ أَنَسٍ عِنْدَهُمْ شَيْئًا قَالَ وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ الْحَسَنِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يُسَلّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ مَعَ الْقَائِلِينَ بِالتّسْلِيمَةِ غَيْرُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا: وَهُوَ عَمَلٌ قَدْ تَوَارَثُوهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ وَمِثْلُهُ يَصِحّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنّهُ لَا يَخْفَى لِوُقُوعِهِ فِي كُلّ يَوْمٍ مِرَارًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ قَدْ خَالَفَهُمْ فِيهَا سَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَالصّوَابُ مَعَهُمْ وَالسّنَنُ الثّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُدْفَعُ وَلَا تُرَدّ بِعَمَلِ أَهْلِ بَلَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ وَقَدْ أَحْدَثَ الْأُمَرَاءُ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فِي الصّلَاةِ أُمُورًا اسْتَمَرّ عَلَيْهَا الْعَمَلُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى اسْتِمْرَارِهِ وَعَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الّذِي يُحْتَجّ بِهِ مَا كَانَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ وَأَمّا عَمَلُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَبَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ مَنْ كَانَ بِهَا فِي الصّحَابَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَمَلِ غَيْرِهِمْ وَالسّنّةُ تَحْكُمُ بَيْنَ النّاسِ لَا عَمَلُ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخُلَفَائِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.